Cover Image for نصف مُنافق
0
0

نصف مُنافق

"أين القميص يا أم علياء؟ سوف أتأخر عن العمل هكذا."

كلمات خرجت من جوفه، وهو يتأفف ويبحث بلا كلل عن قميصه في الغرفة، ليسمع صوت خطوات أقدام مُسرعة تدخل الغرفة وتقول:

"إنه بمكانه يا رجل، لم أُغيره."

ليلتفت عم علي خلفه بسرعة ويتوجه ناحية الكرسي الموضوع بركن الغرفة، وهو يرفع ما عليه من ثياب ويقول:

"لا يوجد شيء، لقد فتشت هنا من قبل، ولا يوجد شيء."

"وأين سيكون ذهب هذا القميص؟ أعوذ بالله من الخُبث والخبائث!"

لينظر لها عم علي بوجه مُحتقن ويقول:

"وهذه العَفَارِيت، من قلة حسرتها، سوف تأخذ القميص الخاص بي؟!"

لتنظر له زوجته، وهي تتصنع الجدية وتقول:

"اسكت يا علي، لا تجعلهم يتسلطون علينا بذكر اسمهم."

ليقول عم علي بغضب:

"بالطبع، من تجلس طوال الليل لتشاهد أفلام الدجل والشعوذة، ماذا ستقول؟ من المؤكد أنها سترمي اللوم على العَفَارِيت، على الأقل لن تجد العَفَارِيت ترد عليها وتعترض."

نظرت له زوجته، وهي تبتسم وتُرجع خصلة من شعرها خلف أذنها وتقول:

"أنت كما أنت يا علي، لم تتغير، تُضفي المرح على المُشكلات، وهذا ما جعلني أتزوجك."

ليقول لها في غضب أكبر:

"يا امرأة، لديّ عمل، لا تُخرجيني عن شعوري، كفاكِ عبثًا وابحثي معي عن القميص، وإلّا..."

ليقطع حديثه دخول فتاة صغيرة للغرفة، تبدو في سن التاسعة عشرة عامًا، ملامحها دقيقة جدًا، ترتدي حجابًا على رأسها، ليُضفي عليها لمحة من الجمال الإضافي. حين لمحها عم علي، تبدل غضبه بابتسامة عريضة على وجهه، ليقول لها:

"صباح الخير يا علياء، كيف حالك اليوم؟"

نظرت له الفتاة، وهي تبتسم، لتقول له:

"صباح الخير يا أبي، لِمَ تصرخ هكذا؟ إن صوتك مرتفع جدًا."

ليقول لها بسخرية:

"أنا آسف يا فتاتي، ولكن أمك تفتري الكذب على العَفَارِيت، وتقول إنهم سرقوا قميصي. أنت تعلمين يا علياء، هذه الأيام العَفَارِيت الجو لديها باردٌ قليلاً، فلربما أخذه أحدهم!"

وبعد انتهاء جملته، انفجرت علياء من الضحك هي ووالدها على ما قاله، ولكن أم علياء نظرت لعم علي وقالت:

"أتجعل مني أضحوكة أمام ابنتك يا علي؟"

ليقول لها بسرعة:

"ليس الأمر كذلك، إنما..."

لتقاطعه علياء بسرعة وتقول:

"أبي، أعتقد أني رأيت قميصك، إنه في خزانة ملابسي. أعتقد أن أمي وضعته بالخطأ. انتظر، سأحضره لك."

ظل الصمت سيد الموقف في الغرفة، إلى أن حضرت علياء ومعها القميص المنشود، لتلمع عيني عم علي، ويحتضن ابنته بامتنان، وكأنها أحضرت له كنزًا ثمينًا، وليس قميصًا يبدو عليه أنه قديم ومهترئ قليلاً.

"من خلق هذا القميص، لم يخلق غيره مثلًا؟ لم لا ترتدي قميصًا غيره؟"

لينظر لها عم علي نظرة ممزوجة بالغضب والحسرة، لتُدرك أم علياء سريعًا ما قالته، وتخرج من الغرفة مسرعة. ارتدى قميصه، ووقف أمام المرآة ليمشط شعره الخفيف على الجانب، وهو يقول:

"هيا بنا يا علياء."

لتخرج علياء سريعًا من غرفتها، ويتجهوا سويًا إلى باب شقتهم الصغيرة...

في طريقهم، لاحظ عم علي صمت ابنته، فباغتها قائلًا:

"ما هو شعوركِ، واليوم أول يوم لكِ في الثانوية العامة، وها أنتِ متجهة إلى درس خصوصي؟"

قالت في حيرة:

"لا أدري، ربما فرحة قليلًا وقلقة قليلًا ومرتبكة قليلًا... لدي شعور مختلط، لا أعرف كيف أحدد أي شعور يطغى على الآخر."

"دَعي الأمور تسير كما هي يا فتاتي، ولا تقلقي. أريدك أن تفعلي ما عليكِ من جد واجتهاد، ولا تقلقي من النهاية، فهذه ليست ملككِ ولا بيدكِ."

انحنت برأسها، وهي تنظر إلى الأرض، لتقول بصوتٍ خافت:

"لو لم أحصل على مجموع، ماذا سوف يحدث؟"

ليقول لها والدها، وهو يبتسم:

"سوف تعيشين."

رفعت رأسها، وهي تقول له:

"ربما لم تسمعني جيدًا، أنا أقول لك: لو لم أحصل على..."

ليقطع حديثها وهو يقول:

"بل سمعتُكِ جيدًا، وأريدك أن تعرفي: إذا حصلتِ على مجموع، ستعيشي، وإذا لم تحصلي على مجموع، ستعيشي أيضًا. إنها ليست نهاية العالم بالنسبة لكِ."

ليُتابع:

"هل تعلمي متى ستكون نهاية العالم بالنسبة لكِ؟"

لم يُمهلها فرصة للرد، وقال:

"حين تتوقفي عن المحاولة، هذه هي هزيمتك وموتك. حين تقتنعي بأنكِ غير قادرة، وتستسلمي، فهذا هو موتك. أريدكِ أن تجتهدي وتذاكري دروسكِ جيدًا، ولا تجعلي للشيطان عليكِ سبيلًا، فإنه يأتي ويسكن في المكان المظلم بعقلكِ الذي تخافين منه. أفهمتِ؟"

أومأت برأسها بنعم، ثم قالت:

"لن أُخذُلكَ يا أبي، لا تقلق."

نظر لها وابتسم، وقال لنفسه:

"كلما رأيتُ وجهكِ يا فتاتي، واجهتُ مصاعب الحياة وأنا مُطمئن. فدائمًا ما كان وجهكِ هو الدافع لي للاستمرار. فكيف ستخْذلينني يا عزيزتي، ورؤيتكِ هي مصدر سعادتي؟ يا للصغار! إنهم حقًا لا يفهمون."

توجه عم علي إلى مكتبه سريعًا في مصلحة الشؤون الحكومية، ليجد أمام مكتبه صفًا طويلًا من الرجال والنساء، وهو يحاول أن يعبر من خلالهم إلى كرسي مكتبه، وهو يُردد عبارات الاعتذار عن التأخير. جلس على مكتبه سريعًا، أشار إلى الرجل الواقف أمامه ليقترب، ثم أخذ منه الأوراق ونظر فيها وختمها، وأعطاها له وهو يقول:

"ينقصك ورقة تأمين، ستصعد إلى مدام علا في الطابق السادس، وهي ستقول لك ماذا تفعل لكي تحصل عليها."

ابتسم الرجل، ووضع يده في جيب بنطاله، وأخرج ورقة فئة خمسين، وقال لعم علي:

"ولما هذا التعب كله، وكل عام وأنت بخير."

نظر عم علي للورقة النقدية وللرجل، ثم قال:

"ستصعد للدور السابع، وستُحضر دمغة أيضًا."

نظر له الرجل بغضب، وأخرج ورقة فئة مئة من جيبه، وهو يقول:

"آسف، لم أُقدرك جيدًا، اعذرني، هذا خطئي."

انحنى عم علي على مكتبه، وهو يضع كلتا يديه عليه ويشبكهما، وهو يقول:

"أصابعك الخمسة ليست مثل بعضها، ألا تفهم حتى الآن؟"

لينظر له الرجل بغضب، ثم يسبه في سره ويرحل من أمامه. نظر عم علي بجانبه بالصدفة، ليجد صديقه أشرف ينظر له نظرة خيبة أمل. وظل الأمر على هذا الحال، إلى أن انتهت ساعات العمل.

همّ بجمع أوراقه ليستعد للرحيل، ولكن تفاجأ بيد توضع على كتفه، يتبعها صوت غليظ يقول:

"يا رجل، لمَ تُفسد على نفسك الخيرات؟ أنا مشفقٌ عليك."

تصنّع عم علي الانشغال بلمّ الأوراق دون الالتفات للرجل، وهو يقول بصوت يتّسم بالجدية:

"أنت تراها خيرات، لكن أنا أراها من المُنكرات، وكُلٌّ مِنّا وطريقته."

نظر له الرجل بغضب، وقال:

"يا علي، أنا مشفق عليك. إن ما نقوم به هو تسهيلات فقط، لا غير، مقابل أجر مادي، ما العيب في ذلك؟"

وحين لم يجد رد فعل من عم علي، تابع بقوله:

"إن هذا القميص الذي ترتديه هو هو القميص الذي ترتديه كل يوم، لمَ لا تأخذ الأموال وتشتري لنفسك قميصًا جديدًا، وتشتري لابنتك فستانًا جديدًا؟ لمَ لا تعيش حياتك يا رجل؟ إن الرسول كان يستعيذ بالله من الفقر، وأنت تحبه!"

لم يتحمل سماع آخر كلماته، فترك الورقة من يديه، والتفت لأشرف، وهو يضع يده فوق كتفه، ويقول:

"إن كلامك كله لا يمثل لي أي مشكلة ولا ضيق، لكن، أتعلم ما يُضايقني حقًا؟ ما يُضايقني أنك تفتري الكذب على الرسول بكلامك هذا. ولكنك أيضًا على حق في نقطة: أن الرسول كان يستعيذ بالله من الفقر، ولكن هذا الرسول أيضًا لعن الراشي والمرتشي. فلمَ تقصقص الكلام وتأخذ منه ما يُرضيك؟"

صمت قليلًا، ثم تابع:

"أتعلم ما هو اللعن؟ إنه الطرد من رحمة الله. أتعلم مَن الذي طُرد من رحمة الله؟ إنه إبليس. أفهمت شيئًا؟"

ليباغته أشرف سريعًا:

"إنه تسهيل يا علي، تسهيل، وليس رشوة. لمَ لا تفهم الفرق بينهما؟!"

ابتسم علي وقال:

"كيف يكون تسهيلًا، وأنت تتعمد تعطيل الورق، وإبداء الغضب على وجهك في التعاملات، لكي يدفعوا لك؟"

لم يرد أشرف، واكتفى علي بالابتسام، ثم توجه إلى باب المكتب للخروج، وهو يُردد عبارات شكر لله واستغفار.

بعد أداء صلاة العصر، توجه عم علي إلى سيارة الأجرة الخاصة به، التي ورثها عن أبيه بعد موته، لتساعده كمصدر دخل إضافي بجانب عمله الصباحي. ظل العمل هادئًا، زبون يركب وزبون ينزل من السيارة، مع ابتسامة عم علي التي تُضفي جمالًا على وجهه يتوافق مع جمال روحه. لم يكن يهتم بما يُقال في سيارته، من حديث الزبائن مع بعضهم البعض، أو حتى من خلال الهاتف، فكل الأحاديث تكون متشابهة؛ فهذه تحكي عن زوجها لأمها، وهذه تشكو من أطفالها، وهذه تتحدث مع خاطبها على الهاتف، وهذه تثرثر عن عملها مع صديقتها، وهذا يتحدث عن ضيق المعيشة مع صديقه، وهذا يتحدث عن رغبته في الزواج، وهذا يتحدث عن فرصة عمل ورغبته في السفر... وهكذا.

لكن حين ركبت معه سيدة اليوم، وهي تتحدث على الهاتف، وسمع كلامها عن الثانوية العامة مع الطرف الآخر، فأخذ يُنصت بجدية، ليسمعها تقول:

"لِمَ نقوم بدفع كل هذه الجنيهات خلال السنة الدراسية، وبإمكاننا أن نذهب إلى المُعلم الذي لديه فلاشة الاختبار الأخير، وندفع حوالي عشرة بالمئة من الجنيهات التي ستُصرف خلال السنة؟"

"لا، هذا ليس بغش، مَن قبلنا ومَن بعدنا فعلوا وسيفعلون هذا. هذا ليس بغش، إنما توفير للأموال المهدورة. أنا متأكدة من هذا، لا تقلقي."

"لا لا، إنه مضمون، أنا أعرف من هم في كليات قمة الآن من خلال هؤلاء المُعلمين، لا تقلقي. وحتى لو حدث ولم تنجح خطة المعلمين هذه، هناك منصات أخرى تُسرب الامتحان قبلها، فكل الطرق متاحة."

انتظرها عم علي إلى أن أنهت مكالمتها، ثم قال لها برفق، وهو لا ينظر إليها:

"سيدتي، أريد أن أُصحّح لكِ شيئًا، لقد سمعتكِ وأنتِ تتحدثين، وما تقولينه هذا هو غش فعلًا. وأنتِ حين تدفعين لأولادكِ في التعليم على مدار السنة، فهذا هو حقهم وواجب عليكِ. وهذا المعلم الذي تدفعين له هو معدوم الضمير، وحسابه عسير عند الله. وأيضًا، إذا فعل أحد شيئًا سيئًا قبلكِ أو بعدكِ، فهذا ليس برخصة أو دافع يجعلكِ تفعلين هذا الشيء، فالله سيُحاسبنا منفردين. أنتِ وأبناؤكِ مسؤولون عن السعي، وليس النتيجة، فلا تهتمي بورقة الامتحان مهما كان، أبدًا."

نظرت له السيدة في المرآة بوجه غاضب ومُحتقن، وهي تقول:

"وما دخلك أنت بهذا؟ قد في طريقك ولا تتنصت عليّ. أنا أدفع لك لتوصلني، وليس لتتنصت عليّ، ثم تُتحفني بفلسفتك!"

لم يرد عليها عم علي، مما أثار استفزازها أكثر، فقالت:

"أنا أدفع لأولادي ليكونوا ذوي مكانة في المجتمع، وليس ليكونوا سائقيِ سيارات أجرة ينتظرون بقشيشًا من الناس!"

قام عم علي بتوقيف السيارة على جانب الطريق، وقال لها:

"شكرًا لكِ يا سيدتي، أرجو منكِ النزول هنا، فلن أتحرك بهذه السيارة وأنتِ بداخلها."

نظرت السيدة بوجوم لعم علي، ثم فتحت باب السيارة ونزلت منها، وهي تقول:

"سائق أجرة بائس... ستعيش وتموت بائسًا."

لم يهتم عم علي، وتابع سيره بالسيارة، يبحث عن رزقه، إلى أن أنهى ساعات عمله.

تذكّر أن اليوم هو يوم الخميس، وهو يوم مقابلة صديقه سعيد على المقهى الشعبي، فتوجه إلى هناك سريعًا. "متأخر دائمًا كعادتك يا علي."

كلمات نطق بها صديقه سعيد، ليجلس علي بجانبه، وهو يقول له:

"أنت تعلم أني أعمل بوظيفتين، فالتمس لي العذر."

"نعم، أعلم يا صديقي، أنا أمزح معك. كيف حالك؟ وكيف حال علياء؟"

"إنها بخير، بدأت دروس الثانوية العامة اليوم. لم أرَ حليمة اليوم معها في الدرس، هل حدث لها شيء أم ماذا؟"

قال له سعيد، بعد أن أخذ شَفْطة من كوب الشاي الساخن:

"لا، هي بخير، ولكنها لن تنزل إلى الدروس هذه السنة."

نظر له عم علي بدهشة، وهو يقول:

"أتمزح يا سعيد؟ أهم سنة، وتقول لن تنزل؟"

"لا تقلق، لقد وجدتُ طريقًا أفضل وغير مُكلف."

"وما هو، يا جهبذ؟"

"ألم تسمع بشيء اسمه الفلاشة؟"

عاد ذهن علي إلى الوراء منذ كم ساعة، فابتسم بحسرة، وقال:

"حتى أنت؟"

"طالما قلت هذا، فمن المؤكد أنك سمعت عنه."

لم يقل عم علي أي شيء، فتابع سعيد:

"أتعلم؟ ستدفع قيمة قليلة في النهاية، مقابل توفير أموال كثيرة على مدار السنة، وتوفير نفسية ومجهود لابنتك علياء. وستحصل على الاختبار، وهي في منزلها، مُعزّزة مكرّمة، لا ينقصها شيء. ستحفظ الإجابات، وتضعها في الورقة، وتُصبح طبيبة كما تحلم أنت يا علي دائمًا."

سرح علي بخياله، وهو يتخيل ابنته بالبالطو الأبيض، ولكنه سرعان ما تدارك الموقف، وقال:

"هذا حرام وباطل يا سعيد. هل سنذهب للحرام بأيدينا؟ وكيف سنطلب من الله التوفيق بعد هذا ونحن نعصيه؟"

ليقول له سعيد بثقة:

"ليس بحرام علينا، هو حرام على مَن يُسرّب الاختبارات وعلى المُعلّم، ولكننا لا، نحن مُجرد زبائن نشتري المعروض أمامنا فقط. وقد فعل من هم قبلنا هذا، وسيفعل من هم بعدنا هذا أيضًا. فهي عادة مجتمعية الآن."

"هذا نفاق يا سعيد."

"لا، ليس بنفاق، وحتى لو كان نفاقًا، فهو ليس نفاقًا كاملًا، هو نصف نفاق، وليس أكثر!"

"يا سعيد يا عزيزي، ما يفعله المجتمع كله لن يكون حلالًا، ولو اجتمعوا على فعله، وهو بالأصل حرام. ونحن هكذا ندعم هذا المعلم ليُكمل في ما يفعله من حرام، فإذا انقطعنا عن دعمه، فلن يشتري أحد الاختبارات، وبهذا نكون قد قضينا على ما يفعله من حرام."

"إذا قاطعناه أنا وأنت، سيشتري غيرنا."

"نعم، هذا صحيح، ولكننا نفعل ما علينا، لكي نقف أمام الله متبرئين من هذه الأعمال المنكرة."

"انظر حولك، أنت تعلم نظام التعليم الحالي، يهدف لدخول أقل عدد من الطلاب للتعليم العام، أما الباقي، فيذهب للكليات والمعاهد المدفوعة. ومن أين سنأتي نحن، ومن هم مثلي ومثلك، بخمسين ألفًا في العام وأكثر للسنة الدراسية؟"

حين لم يرد علي، وجد سعيد الدافع ليُكمل:

"ابنتك علياء، ماذا ستفعل إذا لم تحصل على مجموع مرتفع؟ هل تعلم ما سيحدث؟ ستذهب إلى الكليات الأدبية، أو كليات الطلاب الفاشلين كما يقولون عنهم. أتريد لابنتك أن تُصبح من ضمن الفاشلين والفاشلات؟"

ليقول له عم علي مُسرعًا:

"ومَن هذا التعيس الذي صنّف الكليات الأدبية بالفشل؟"

"انظر حولك، الفتى الذي يُقدّم لنا المشروبات تخرّج من آداب قسم التاريخ، والفتى الذي يقوم بعمل المشروبات من تربية."

"إن الظروف هي من أجبرتهم على هذا يا سعيد، وليس الفشل. بل إنهم مُكافحون يجتهدون. وبما أنك ترى الكليات الأدبية بهذا الفشل، لِمَ دخلت أنت كلية الآداب يا سعيد؟"

"لأني... لأني..."

"لأنك جاهل مثلهم يا سعيد. جاهل، وجهلك أعماك. جهلك جعلك ترى مَن هم بالشعبة الأدبية بالفشل، ومَن هم بالشعبة العلمية بالمخترعين. جهلك جعلك لا ترى الله في خطواتك. جهلك جعلك تبحث عن السهل، وتترك العمل الجاد الذي حثك عليه الله. جهلك جعلك كما أنت يا سعيد الآن، بائس تُنظّر على الناس. ولكني أقول لك يا صديقي في النهاية: الفاشل حقًا هو مَن يجهل، ويقيس غيره بناءً على مستواه التعليمي أو مكانته التعليمية. هذا هو الجاهل يا سعيد. أتعلم؟ المشكلة كلها أخلاقية، وليست تعليمية إطلاقًا، وهذا هو سبب التأخر."

بعدما أنهى عم علي كلماته، استأذن بالرحيل، وتوجّه إلى البيت وهو يفكر بحزن في الحال الذي وصل إليه صديقه، بل الحال الذي وصل إليه معظم المجتمع، وهو يتحسر عليهم إلى أن وصل إلى باب شقته. حين فتح باب شقته ودخل، أول شيء اصطدمت به عينه كانت اللوحة القرآنية المُعلّقة في الصالة:

(قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَىٰ)

قم بإضافة تقييم

سجل الدخول لإضافة تقييم

تسجيل الدخول

التعليقات

لا يوجد تعليقات