
نازح وزير التربية
بعد نجاح تجربته الأخيرة في إيصال فكرته ومعلوماته، عكف نازح أسبوعًا يفكر ويبحث عن كيفية جعل الأطفال يتلقون المعلومات بشغف، مثلما تلقوها في الحصة الماضية منذ أسبوع؛ فهو لم يجد هذا الشغف في أعينهم في الحصص السابقة، مثلما وجده في حصة الأسبوع الماضي. لقد أدرك الأستاذ نازح أن الجيل الصغير القادم قد ظُلم كثيرًا بأساليب ومناهج التعليم القديمة التي لا زالوا يستخدمونها حتى الآن، رغم عدم توافق الزمان والشخصيات. لقد فرضت هذه الأساليب القديمة قيودًا على الأطفال من خلال تجارب سابقة ليس لهم ذنب بها بتاتًا. فكم من جملة سمعتها آذان الأطفال، فحواها بأنهم هم المقصّرون لعدم تقبلهم وفهمهم نفس العادات القديمة؟ كم من يد ضُربت بسبب عدم فهمها وإدراكها لمعلومة؛ لأنها شُرحت بطريقة لا تناسب صاحب هذه اليد؟ كم من نفس نامت حزينة؛ لسماعها كلامًا عن الفشل، وهي ليس لها يد فيه ولا دخل به؟
هل أدرك أحد من الجهات التعليمية أن الجيل قد تغير؟ أن الوضع قد تطور؟ أن ما سبق ليس مثل ما هو قادم؟ هل حاول أحد من الجهات التعليمية أن يقف لحظة ويسأل نفسه: هل هو على خطأ أيضًا؟ أم ظل يُلقي اللوم على الأطفال؟ هل حاول أحد أن يطوّر من نفسه، ومن طريقته، وأن يحاول أن يصل إلى دماغ هذا الطفل؟ هل حاول أحد أن يدرك أن مقولة: "لقد تعلمتها قبلك في الماضي" معناها أنها في الماضي وانتهت وفق ظروف ومعايير وُضعت في الماضي؟ هل حاول أحد أن يسأل نفسه: هل الماضي مثل الحاضر، والحاضر مثل المستقبل؟ هل حاول أحد أن يُصلح الخطأ بدلًا من إلقاء اللوم على غيره؟
ربما يتبادر لذهنك أنه لا يوجد هناك من فعل هذا أو فكّر فيه حتى، ولكنك على خطأ يا عزيزي! فنازح كان أكبر مثال على خطئك في التوقُّع، فنازح ليس مجرد إنسان، نازح هو عبارة عن شخص مُتفهم للأوضاع والظروف.
حينما دخل الأستاذ نازح إلى الفصل في حصته المعتادة، وبعد إلقاء التحية، وجد أن عدد الفصل قد زاد أكثر من السابق بحوالي عشرين طفلًا، فنظر إليهم في دهشة وابتسم. نظر له الأطفال نظرة بريئة، ومن ثم قاطعه أحد الأطفال الجدد وقال:
"نريد أن نحضر الحصة معك يا أستاذ."
فنظر إليهم نازح بمكر، وقال:
"تحضرون الحصة أم تشاهدون أفلامًا كما أخبركم أصدقاؤكم؟"
ارتفع صوت الضحك من الأطفال في الفصل بعد جملة الأستاذ نازح الأخيرة، ونظر الأطفال لبعضهم البعض، بمعنى أن خطتهم قد كُشفت.
أدرك نازح في لحظة أن هذا العدد الكبير قد يساعده في إيصال أفكاره بشكل أكبر، ومن خلال شخصيات أكثر. وهذه هي الغاية الأولى من العلم؛ نشر الأفكار المُثمرة لتعزيز الإنتاجية في شتى المجالات. قام نازح بإخراج جهاز الكمبيوتر المحمول ووضعه أمام الأطفال. لمح في أعينهم لمعة براقة، كطفل ظل يحلم بهدية، وفي النهاية حصل عليها كما حلم بها. بعدها، قام بإخراج أقلامه وكتب أمام الطلاب على السبورة البيضاء: (المساواة والعدل)، وبدأ في عرض الفيلم.
كان الفيلم عبارة عن مشهد واحد لمدة خمس دقائق في الغابة. جمع الفيلم القصير بين: دب يرتدي نظارة، ويبدو عليه أنه معلم، وأمامه يجلس أسد، ثعلب، فيل، غراب، وقرد.
بدأ المعلم بتوزيع أوراق بيضاء عليهم، تبدو كاختبارٍ ما، وضعها أمامهم وقال:
"يوجد خلفكم شجرة، أريد من كل واحد منكم أن يتسلقها، ومن ثم يعود ويكتب لي تجربته المستفادة من هذا الاختبار."
وبسرعة، توجهت الحيوانات نحو الشجرة، ولكن كان قد سبقهم الغراب ووقف على غصنها، ومن خلفه صعد القرد. الفيل ظل واقفًا تحتها في حسرة، وبجانبه الثعلب، والأسد جالس في مكانه لم يتحرك من البداية. عاد القرد سريعًا والغراب إلى مقاعدهم، حاول القرد الإمساك بالقلم لكي يكتب، لكن الغراب لم يقدر على الإمساك بالقلم، وأخذ يحاول أن ينتشله بمخالبه البسيطة، ولكنه لم ينجح. الفيل يقف تحت الشجرة لا حول له ولا قوة، والثعلب يفكر بمكر، إلى أن وجد خطة ذكية من خلال القفز فوق ظهر الفيل ومن ثم إلى غصن الشجرة. وبالفعل، نجحت محاولته، وعاد سريعًا إلى الورقة، ولكنه لم يستطع أن يُسيطر على القلم ويكتب استنتاجه. كل هذا، والفيل لا يدري كيف سيتسلق الشجرة؟ وكيف سيكتب في الورقة؟ بينما ظل الأسد مكانه لا يفعل شيئًا سوى الجلوس بثقة. نظر الدب إلى ساعة يده، فقال:
"كفى، لقد انتهى الوقت."
ومن ثم جمع أوراقهم ونظر فيها، وقال:
"والآن سأرتبكم من الأعلى إلى الأقل: إن أولكم الأسد، ثم القرد، ثم الغراب يتشارك نفس المركز مع الثعلب، وآخركم الفيل الفاشل."
قال القرد بغضب:
"هو حتى لم يتحرك من مكانه! كيف له أن يصبح الأول؟!"
رد عليه الأسد بتكبر:
"أنا ملك الغابة، مكانتي محفوظة سواء اختُبرت أو لا."
صمت القرد بحسرة، بينما قال الفيل:
"لماذا أنا فاشل؟! هذا ليس عدلًا، أنت تعلم أنني لن أقدر على تسلق الشجرة."
رد الدب:
"لقد حققت المساواة بينكم وأعطيتكم كلكم نفس الاختبار. أنت لا تجد مبررًا لفشلك فقط."
صمت الفيل بحزن، بينما قال الثعلب:
"أنا أذكاهم، لقد وجدتُ حلًا مُبتكرًا."
قال الدب:
"نعم، أحسنت. والآن، الدرس انتهى."
ومن ثم أغلق الأستاذ نازح الجهاز، ونظر للأطفال وقال:
"ما رأيكم؟"
بدأ الطلاب بالنظر إلى بعضهم البعض، ومن ثم رفع طفلٌ يده، فسمح له نازح، فقال الطفل:
"يا أستاذ، إن الثعلب أذكاهم حقًّا، فهو من فكر وأبدع ووجد حلًا جديدًا."
بينما قال آخر:
"الأسد لديه سُلطة الغابة، لهذا لم يكن عليه أن يتعلم من الأساس، فهو في الأول والأخير ملك."
وقال آخر:
"لو تسلق الفيل الشجرة، لكانت تدمرت، خيرٌ له أن يبقى على الأرض."
بينما قال آخر:
"إن الغراب والثعلب كلاهما لديه نفس درجة الذكاء، فكلاهما قد حاز على نفس المركز."
تقبّل الأستاذ نازح إجاباتهم جميعًا بصدر رحب، ثم قال:
"أتدرون ما الفرق بين العدل والمساواة يا أطفالي؟"
لم يرُد أحدٌ منهم، فتابع الأستاذ نازح قائلًا:
"المساواة هي حينما أعطى الدب كُلًّا منهم نفس الاختبار، ولكن العدل هو أنه كان يجب عليه أن يُعطي كل واحد الاختبار الملائم لظروفه وعقليته. فمثلًا: القرد والغراب يمكنهم أن يصلوا للشجرة بسهولة، ولكن الفيل والأسد والثعلب لا يمكنهم أن يفعلوها. بينما توجد أشياء أخرى يمكنهم أن يفعلوها، لكن الغراب والقرد لا يمكنهم. مثلًا: السمكة تعيش في المياه، ولكن الأرنب لا يقدر على هذا. أفهمتم؟"
حرّك الأطفال رؤوسهم بـ "نعم"، فتابع الأستاذ نازح:
"في الحياة، ستجدون من هو مثل الدب، لا يفكر ولا يضع أي اعتبار لقدرات الغير، هو يريد أن يُطبق ما يعرفه فقط حتى لو كان خطأ. وستجدون من هو مثل الأسد، لا يفعل شيئًا، هو فقط يجلس وكل ما يريده يأتي إليه؛ لأنه ملك غابة فقط ولديه القوة. وستجدون من هو مثل الثعلب، ماكر؛ فقد تسلق على ظهر غيره وهو الفيل حتى وصل إلى مبتغاه، وبعدها تجده يصف هذا بالذكاء، بينما هو مجرد استغلال. وستجدون من هو مثل الغراب، لا يتحدث، يفعل ما هو مطلوب منه فقط، ويترك ما لا يقدر عليه بهدوء وثبات. وستجدون من هو مثل القرد، يفعل ما عليه، ولكنه لا يحصل على مكانته المُستحقة. وفي النهاية، ستجدون من هو مثل الفيل، لقد حُكم عليه بالفشل؛ لأنه لم يقدر على فعل أشياء لا تُلائم طبيعته، ولا تُلائم صفاته. لذا وجب عليكم الحذر يا أطفالي، فأنتم أُمة المستقبل. يجب عليكم أن تعلموا أن النجاح ليس هو الوصول على حساب الغير، أو الجلوس بدون فعل شيء، يجب عليكم بذل جهدكم ووضع أنفسكم في البيئة الصحيحة، ولا ينظر أحدكم إلى الآخر؛ فقد خلقنا الله مختلفين جميعًا عن بعضنا البعض، حتى نكون كقطع البازل، حينما نلتصق ببعضنا نصبح ذوي فائدة. ولكن إذا كنا كلنا قطعًا متشابهة في كل شيء، فلن نقدر أبدًا على تكوين شكلٍ واحد، وفي هذا حكمة، مثلما قال الله تعالى:
(أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)
ومن ثم تابع:
"هل فهمتم ما أعنيه؟"
نظر له الطلاب جميعًا وقالوا:
"نعم يا أستاذ، شكرًا لك!"
فختم نازح قائلًا:
"الآن انتهت حصتنا، مطلوب منكم جميعًا كتابة موضوع عن العدل والمساواة، أراكم الأسبوع القادم. سلام!"