Cover Image for دجاجة مُتحررة
1

دجاجة مُتحررة

بأرض زراعية واسعة يتخللها أنواع كثيرة من الأنعام المتنوعة، التي تسير على الحشائش تقطفها بفمها تارة، وتقف فوقها تارة أخرى، وفي أقصاها تجد قن للدجاج، يوجد به أكثر من خمسين دجاجة، تجلس على بيضها في هدوء تام وسكينة، تمارس وظيفتها التي خلقها الله من أجلها، غير معترضة ولا كارها لها، ولكن كعادة أي مكان، قد تجد من يحاول أن يثير الفتن ويقلب الأنظمة رأسًا على عقب حتى يفسد المجتمع، غير مكترث بما ستؤدي أفكاره من دمار هائل، قد لا يراه هو الآن ويظن نفسه صاحب فكر، ولكن بعد وقت ليس بكبير تظهر آثار الفتن، وهذا بالضبط ما حدث حين قامت دجاجة من فوق بيضها، لتقف في منتصف القن رافعة ريشها لتقول بكل سخط:

"إلى متى؟"

لم يُعيرها البعض اهتمام، والبعض الآخر كان يؤدي وظيفته دون اكتراث لها، وقلة قليلة انتبهت وانصتت، ولكنها لما لم تجد المطلوب، رفعت صوتها وقالت:

"إلى متى سنظل نقوم بهذا العمل؟ نجلس كل يوم فوق البيض ولا شيء آخر في هذا المنزل؟ أليس من المفترض أن نخرج ونتحرك ونسافر ونرى الطبيعة بالخارج؟"

انتبه البعض لما تقول، فيما استحسن آخرون الكلام، بينما ظل هناك من لا يفهم أي شيء، لكن كان هناك دجاجة واحدة كانت في أعلى القن تجلس صامتة تراقب الوضع فقط. فتابعت الدجاجة الثائرة:

"إن الدياكة تتجول وتثور وتعمل بالخارج، ونحن هنا حبيسات المنزل لا نفعل شيء سوى الاهتمام بأبناء الدياكة، ومن فرض علينا هذا؟ نريد نحن أيضاً أن نخرج ونستمتع مثلهم، ولا نريد أن نتقيد بهذا البيض الذي يعطلنا عن مهامنا المستقبلية!"

تابعها صيحات هتاف على كلامها، وكثرة من الدجاجات هموا من على البيض، وهم يهتفون ويصيحون، وعلت الأصوات إلى أن جاء صوت من أعلى القن يقول:

"سكووووووووووت"

ومعه توقفت الصيحات، والهتاف، ووقفت جميع الدجاجات في احترام؛ لأنهم يعلمون صوت من هذا، فهو صوت الجدة، أقدم دجاجة في هذا المكان. وبعد عدة ثواني مرت نظرت الجدة لدجاجات وقالت:

"لقد قالت أبناء الدياكة صحيح؟ ولكن لما لم تقول أبناء الدجاجات أيضاً، أليس نصفه منها ونصفه منه؟ أخبروني يا قوم، أم أصبح الآن البيض ليس من صُلبنا؟ وليس هذا وفقط انها تستحثكم على الخروج، هل تعلمون ماذا في الخارج؟ إنها الثعالب لا تنسوا ياقوم، إنها الثعالب التي تنتظرنا بفارغ الصبر، حتى تأكلنا أحياء. الدياكة لها وظائفها ونحن لنا وظائفنا التي خلقنا الله لها، لا تجعلوا الشيطان يزين لكم الحياة، فإنها ليست كما ترى دجاجتنا الثائرة هنا، تظن انها ستخرج وستسافر للعالم كله، فأنا أقسم لكم إنها لن تتخطى الباب الخشبي للأرض قبل أن يأكلها الثعلب، فلا تنخدعن بكلام فارغ، فإنكم ستقابلون الموت سريعاً لو لم تلتزموا بفطرتكن، لقد خلقنا الله لوظيفة، فئدوها على أكمل وجه ولا تعترضوا"

نظرت لها الدجاجة الثائرة وقالت:

"ولكنك لست مسؤولة عنا، ولا من حققك التدخل في شؤوننا، فمن يريد أن يخرج يجب أن يخرج، ومن يريد الجلوس فليجلس ليرعى البيض"

نظرت لها الجدة بحده وقالت:

"من يريد أن يخرج سيجني على نفسه بالموت وهذا آخر ما سأقوله"

فقالت الدجاجة الثائرة سريعًا؛ حتى لا تفقد السيطرة على الوضع بعد كلام الجدة:

"من يريد الخروج معي فليقف بجانبي"

وبسرعة تجمع حولها خمس دجاجات أخريات، فنظرت لهم الجدة بكل حزن وقالت:

"فليرحمكم الله مُقدماً "

ومن ثم رجعت لتجلس مكانها مرة آخرى.

في اليوم التالي خرجت الدجاجة الثائرة ومعها الآخرين إلى خارج القن، نظرت في كل الإتجاهات قبل أن ينطلقوا جميعاً نحو الباب الخشبي، وأثناء ركضهم نحو الباب، لمحوا ظلال حولهم تحاوطهم فتوقفوا سريعاً، ولكن سرعان ما برزت الثعالب من كل جانب لتحاوط الدجاجات الثأرات وهي تتشوق لأكلها ومضغ لحمها، فنظرت لهم الدجاجة الثائرة وقالت بثقة ممزوجة بالقوة المُصطنعة:

"نحن نريد أن نتخلص من حياة العبودية والبيض، فإن كنتم تريدن الدجاج فأنا أقدم لكم القن بكل ما فيه، مقابل تركي أنا والدجاجات الذين معي لنخرج من هنا أحياء"

نظر لها الثعلب بمكر وقال:

"هل أنت حمقاء يا عزيزتي؟ تريدين الخروج إلى الطبيعة المكشوفة وتقدمين لنا الدجاج المستور بالقن وتسمين هذا اتفاق؟"

شعرت الدجاجة بالخوف قليلاً، فقالت بتوتر:

"نعم أنا أريد أن أصبح حرة وما المشكلة؟!"

نظر لها الثعلب وقال:

"أنت حرة في الخروج وأنا حر في الدجاج الذي سأكله!"

ولم يُمهلها حتى الكلام والرد، فهجم عليها هو وكل من معه؛ ليتناولوا وليمة لم تكن في الحسبان. وعلى باب القن كانت تقف الجدة دجاجة تنظر لهم بحسرة وهي تقول:

"هذا جزاء من يخالف طبيعته ويخالف كلام الله."

قم بإضافة تقييم

التعليقات