Cover Image for الرضا
1
0

الرضا

جلس في مكانه المعتاد في ركنه المخصص من المقهى، ينظر إلى حاله ويستعجب، ثم يلتفت إلى الطاولات التي حوله ويزداد استغرابه. كان هدفه في الحياة أن تصبح حياته مثالية في كل شيء، ولكن عندما تخيب توقعاته، يشعر وكأنه إنسان فاشل!

حين نظر إلى الطاولة التي على يمينه، وجد رجلًا وزوجته سعيدين وهما يتناقشان معًا، فحزن على حاله، لأن حياته مع زوجته لم تكن كما تخيلها، مليئة بالمثالية المفرطة. لكنه لا يُخفي عن نفسه، أنه هو السبب في أن حياته الزوجية ليست كما يتمنى؛ فعندما لم يجد ما توقعه، قرر أن يصب غضبه على عشّ زوجيته.

وحين نظر إلى الطاولة التي أمامه وجد عائلة تجلس مع أطفالها الهادئين، الذين يبدو عليهم النبوغ. لكنه حين تذكر أولاده، شعر بحزن أكبر من تذكر زوجته. كان يتمنى أن يصبح أولاده نابغين في العلم، لا أن يكون أحدهم مُحبًا للكتابة، والآخر مُهتمًا بالفن والرسم.

على طاولة تبعُد عنه بقليل، كان هناك رجل يرتدي بدلة أنيقة ومعه جهاز لابتوب ويرتدي سماعة ويتحدث وهو يضحك. حين نظر إلى هيئته، ضحك كثيرًا، فهو كان يرتدي قميصًا وبنطالًا وجزمة سوداء، ويعمل كموظف فقط. كان يحلم بارتداء بدلة وأن يصبح مدير مشاريع أو رجل أعمال.

سئم من المشهد فنظر إلى ساعته، فوجد أنها قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل. قرر أنه لن يعود إلى بيته اليوم، وسيبيت في المقهى. استرخى على كرسيه، وضع يديه خلف رأسه، وأغمض عينيه؛ ليغرق في نوم عميق بعدها بقليل.

حين استفاق، نظر إلى ساعته فوجدها قاربت الخامسة صباحًا. نظر حوله فوجد المقهى خاليًا تمامًا لا يشوبه شيء سوا صوت أغنية لأم كلثوم. فقرر أن يذهب إلى بيته ليستحم ويذهب إلى عمله الممل كالعادة. لكن المفاجأة كانت حين وصل إلى منزله، وطرق باب شقته، ليجد رجل غريب يفتح له! أطال النظر إليه ثم قال: "من أنت؟" رد الرجل الآخر أيضًا بنفس السؤال!

ثم ظهرت زوجته في الخلفية وسألت:

"من على الباب؟"

حينما لمحها، ظل ينظر إليها وقال:

"من هذا الرجل يا خائنة؟"

انطلق مسرعًا نحوها ليخنقها بيديه، لكنه حين اندفع ودخل الشقة، وقف مكانه كالمصعوق. فلقد لمح الصورة التي كانت في الصالة، تجمع بين زوجته والرجل الآخر. ظل ينظر إلى وجوههم، ثم إلى زوجته، وسألها:

"ما الذي حدث للصورة؟ أين عائلتنا؟ أين الأطفال؟ ومن هذا الرجل الذي في منزلنا؟ وأين الصورة التي كنا فيها معًا؟"

لم يفهم أحد منهم شيئًا، ولا حتى هو. لما لم يجد جدوى من الوقوف، انطلق سريعًا من الشقة حتى نزل إلى الشارع. أخذ يسأل نفسه ما الذي حدث لزوجته؟ كيف تخونه؟ وأين الأطفال؟ وفي الأخير، تذكر أنهم ربما في المدرسة. انطلق سريعًا إلى هناك وهو لا يدري كيف اختفت صورتهم من المنزل، وكيف لزوجته أن تتصرف هكذا وكأنها لا تعرفه، وكأنه لم يكن موجودًا في حياتها من قبل!

عندما وصل إلى المدرسة، وجد لوحة كبيرة معلّقة عليها صورة ابنه وابنته، مكتوب تحتها "الكاتب الصغير" و"الفنانة النابغة". ضحك حين رأى تلك اللوحة، لكن لم تدم فرحته طويلاً حين لاحظ أن هناك اسم أب آخر مكتوب مكان اسمه. شعور بالغضب اجتاحه، لكنه بالصدفة لمح أولاده يخرجون من باب المدرسة. انطلق كالصقر نحوهما وهو يقول:

"أين صوركم في المنزل؟ ومن هذا الرجل هناك؟ كيف لا تعرفونني؟ ومن هذا الذي تتخذون اسمه مكان اسم أبيكم؟"

ظل الأطفال ينظرون إليه بخوف دون كلام، وسرعان ما بدأت الطفلة الصغيرة في البكاء. إلى أن اقترب رجل وسيدة من الطفلين وقالوا له:

"من أنت؟"

"أنا والدهم!"

ضحك الرجل الذي كان مع السيدة، بينما ازدادت السيدة تشبثًا بالأطفال. فقال الرجل وهو يُحدث زوجته:

"أنا أعرف ماذا يريد."

وأخرج من حافظته مالًا ثم لوح به أمام وجهه، لكن بطلنا دفع يده ودفع السيدة بعيدًا وهو يسحب الأطفال قائلاً:

"أريد أطفالي!"

وبعد وقت قليل، تجمع الناس حولهم، وبدأ الجميع بالصراخ. أحدهم يصرخ أنهم أطفاله، والآخر يصرخ بأنه سارق وكاذب.

إلى أن قرر أحد الواقفين أن يسأل الأطفال:

"هل هذا هو والدكم؟"

فأجاب الأطفال بأن:

"لا، هو ليس والدنا!"

ازداد جنونه أكثر ولم يعد يعرف ماذا يفعل. هنالك شيء غير مفهوم بالنسبة له، فقرر أن يهدأ، و لكن سرعان ما بدأ بالجري والهرب حين سمع أحد الواقفين يقول كلمة "الشرطة".

ظل يركض ويهرب حتى وصل إلى زقاق ضيق حيث لا أحد يبحث عنه. وحين اطمأن أنه بعيد عن الأنظار، جلس على الأرض ووضع يده على وجهه وبدأ بالبكاء. لكنه توقف فجأة حين سمع صوتًا بجانبه. وعندما نظر، وجد رجلًا يخرج من صندوق القمامة يرتدي ملابس بالية ممزقة، وزقنه طويلة وشعره طويل، ويغطيه شتى أنواع الحشرات. اقترب هذا الرجل من بطلنا، حتى ظهرت ملامحه، وكانت المفاجأة قاسية على بطلنا؛ فقد كان هذا المتسول هو!، ولكن يُغطيه شتى أنواع القذارة، مما جعل ملامحه وكأنه في الستين من عمره. لم يقدر على الحراك، ظل مكانه يبكي وهو شاخص نظره للمتسول الذي أمامه، مُستسلمًا للوضع الذي لا يفهمه بتاتًا، إلى أن تحدث المتسول وقال:

"بالرضا تكتمل الأشياء."

ثم أظلمت الدنيا من حوله!

استفاق بطلنا من نومه وهو يشهق، ليستحوذ على كل الهواء الذي بالمكان، نظر حوله سريعًا وبلهفه، وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة، وكأنه كان في سباق، نظر إلى ساعته فوجدها تشير إلى الساعة الخامسة صباحًا. وضع يده على وجهه وبكى بمرارة، ثم نظر إلى كراسي المقهى الفارغة، وأخذ يستعيد حلمه، ويتذكر أحداثه، وفهم الدرس جيدًا. وبعد برهة من الوقت انطلق هذه المرة، ولكن ليس إلى منزله، بل إلى المكتبة؛ ليشتري لابنه الرواية التي طلبها منه، وأقلامًا وألوانًا لابنته، ومن المتجر هدية قيمة لزوجته.

قم بإضافة تقييم

سجل الدخول لإضافة تقييم

تسجيل الدخول

التعليقات

لا يوجد تعليقات