Cover Image for القدوة
1

القدوة

منذ أن كنت صغيرًا وحتى كبرت، كنت أسمع الأمهات يشتكين من تربية الأطفال. في صِغري، كنت أعتقد أن التربية أمر بسيط لا أهمية له، أو أنني لم أكن أُعطيه القدر الكافي من الاحترام أو الرهبة. لكنني أدركت مع مرور الوقت أن هذا "الأمر البسيط" هو ما يُبنى عليه الأجيال؛ حينما رأيت بعينيَّ شبابًا وفتيات لا يدركون معنى أن يكونوا رجالًا أو نساء ذوي شأن، بل مجرد قطيع يُساق في طريق محدد، يقبلونه وهم خاضعين، ورأسهم مُنحنٍ.

نشأت في بيئة مسالمة، لا تعرف عن الضرر شيئًا. كان والدي دائم الحديث عن بطولات المسلمين، عن شهامتهم، عن قتالهم، وخوفهم على شرفهم وعزتهم التي لا تُمس. وكانت أمي أيضًا ربة منزل نجحت في تربيتي أنا وإخوتي. كنا بالنسبة لها أفضل إنجاز حققته في حياتها. كانت تزداد وقارًا واحترامًا في أعيننا يومًا بعد يوم، لأنها لم تُساير الحركة النسوية التي هاجمت المجتمع، بل ظلت محتشمة، حكيمة، قابضة على دينها، تنصحنا دائمًا بما ورد في كتاب الله عز وجل. وهذا جعلها دائمًا ذات مكانة، مختلفة عن القطيع مِن حولها.

كنت أتمنى أن أصبح مثل والدي، وقد تحقق ذلك! لكنني لم أتوقع أن محاولتي لتربية ابني على نفس المبادئ والقيم قد تكون مصدر حرج وتفكير بالنسبة لي.

كنت دائمًا أحب حكايات قبل النوم، وأتوق لسماعها من والدي. فقررت أن أسردها على ابني، فسردت له ذات يوم قصة أبي بكر الصديق وشهامته ووقوفه بجانب صديقه في الغار، وقصة عمر بن الخطاب وحكمه العادل في البلاد، وخروجه في الليل يتفقد أحوال رعيته، وقصته مع المرأة الفقيرة حين سمع بكاء أطفالها لجوعهم الشديد فأحضر لهم جوالًا من الدقيق وأعد لهم الطعام، وشجاعة علي بن أبي طالب حين فدى الرسول بروحه ونام مكانه، وبسالة خالد بن الوليد في الحروب ودفاعه عن رعيته، وصبر يوسف على المحن وتمضيته سنينًا في السجن حتى أصبح عزيز مصر، وصبر يعقوب على أمل رؤية ابنه، وصبر أيوب في مرضه الذي دام طويلًا وصبر زوجته بجانبه، وموسى ومحاربته لفرعون ونُصرة الله له، وصلاح الدين الذي حارب الصليبيين وطردهم من القدس الحبيبة.

استمر الحال على هذا المنوال كل يوم، أحكي له قصة عن قائد شجاع من قادة المسلمين الذين كانوا قدوة يُحتذى بهم، بدلًا من أبطال الشاشات والمغنيين المهووسين بالبروباجندا. إلى أن جاء يوم وسألني ابني:

"هل مات كل هؤلاء؟"

لم أرد أن أخبره أنهم ماتوا، حتى لا يتصور أن شجاعتهم وعدلهم ماتوا معهم، فقلت له:

"هم ماتوا جسدًا فقط، لكن روحهم ما زالت موجودة بداخلنا. يجب علينا فقط أن نشعر بها، وستدرك أنهم لم يموتوا."

فأجابني:

"وكيف أشعر بهم يا أبي؟"

قلت له:

"أن تنصر الحق يا بني، وأن تدافع عنه، وتدفع البلاء عن الناس، وتكون مثالًا يُحتذى به."

استمر الحال على هذا النحو، إلى أن جاءتني شكوى من مدرسة ابني. وعندما ذهبت، اكتشفت أنه طبق ما أخبرته به: حين دافع عن زميل له كان صبية مشاكسون يحاولون سرقة طعامه. لم أكن غاضبًا منه، لكنني لم أكن راضيًا أيضًا، لذا شرحت له الموقف واختلافه وتطبيقه. ومرة أخرى، بينما كان مع أمه في السوق، شاهد رجلاً يضرب فتى صغيرًا لأنه أخذ شيئًا منه وتأخر في الدفع. فهرع إلى الرجل وقال له:

"لا تضربه، من المؤكد أن له قريبًا سيرد لك الأمانة، مثلما أخبرني أبي عن علي بن أبي طالب. لا تقلق."

عندما أخبرتني زوجتي بما حدث، لم أكن حزينًا بل فرحت. أدركت أن ابني أصبح يعلم أسسًا وقواعد أفضل ممن حوله. لكن كان مصدر الحرج لي كبيرًا في ذلك اليوم الذي كنا فيه جالسين في الصالة، وكان التلفاز يعرض الأخبار عن الاعتداءات الوحشية على القدس وفلسطين من قِبل قوات الاحتلال، وقتل النساء والأطفال الأبرياء. حينها نظر إليَّ ابني وقال:

"متى سيأتي صلاح الدين أو روحه التي تسكن بداخلنا يا أبي؟ ألسنا رجالًا بعد أم أننا لم نشعر بالروح فقط؟ هل نحن أشباه رجال يا أبي؟"

عندما أنهى جملته، بكيت من كلامه، لكنني لم أستطع أن أقول له: "نعم، يا بني، حتى الآن نحن أشباه رجال!"

قم بإضافة تقييم

التعليقات