Cover Image for المُحامي

المُحامي

مُنذ صِغره، كان شغوفًا بالحق والعدل، وكان من هواة تطبيقهما على الصغير قبل الكبير. حتى عندما كبر وأصبح رجلاً، اختار الدراسة في كلية الحقوق، وكان حُلمه أن يصبح محاميًا كبيرًا. وبفضل اجتهاده ومثابرته، أصبح هذا الحلم حقيقة. أصبح محاميًا ذا اسم وسمعة مرموقة، واشتهر بين زملائه المحامين بكفاءته العالية وبشرفه، حيث كان يرفض القضايا التي لا يضمن فيها براءة موكله. حافظ على سجل ناصع لم يخسر فيه أي قضية حتى تلك اللحظة. كان هدفه واضحًا: صُنع تاريخ جديد خالٍ من الخسائر، ولا يمكن لهذا أن يحدث إلا إذا ربح كل قضاياه القادمة، ليواصل سلسلته الناجحة. لقد ساعدته حياته الهادئة في التركيز على هدفه، لكن هل ستظل الأمور هادئة إلى الأبد؟

حتى جاء يوم قلب كل شيء حين اتصل به صديقه، الذي كان بمثابة الأخ له، ليخبره أنه متهم بقتل زوجته. شعر بالذعر عندما علم بما حل بصديقه، وزاد خوفه حين اكتشف أن جميع الأدلة تشير إلى أنه القاتل. لكن كعادته، رفض الانصياع لهذه التهم والأدلة، وبدأ يبحث ويفتش بنفسه، عازمًا على اكتشاف الحقيقة.

قبل أسبوع من جلسة الحكم، قرر أن يبدأ من أقرب الأشخاص إلى صديقه، فذهب إلى ابن صديقه الذي كان يعيش مع جدته. أراد أن يطرح عليه بعض الأسئلة، لكنه تفاجأ بكلام الصبي، الذي قال:

"مجدداً؟ ألم تمل؟ لقد انتهى كل شيء. لماذا تكافح، وقد رحل الجميع؟"

لم يهتم المحامي بكلام الصبي، وأصر على أن يخبره بما حدث في ذلك اليوم. وبعد إلحاح، بدأ الصبي يحكي:

"عندما عاد والدي من العمل، دخل غرفته في المساء بينما كنت ألعب في غرفتي. لم أكن أعلم بما حدث، حتى سمعت صراخ والدي من غرفته. ركضت إلى هناك، وعندما دخلت، وجدت أمي جثة على الفراش، وأبي ممسكًا بسكين وعلامات الاضطراب على وجهه. لا أدري إذا كان قد قتلها، ولكنني متأكد أنه لم يدخل أحد الشقة."

قاطعه المحامي وقال:

"هل كانت النافذة مفتوحة؟"

أجاب الصبي:

"لا أعلم. ونحن نعيش على ارتفاع عالٍ!"

دونَ المحامي الملاحظات، ثم انطلق إلى محطته التالية، المكان الذي كان يعمل فيه صديقه.

عندما رآه زملاء صديقه في العمل، بدأوا همسًا يتبادلون الأحاديث: "هذا الرجل متفرغ؟" ألن يمل من ذلك؟" ماذا ستجدي هذه المرة؟"" لكن المحامي لم يهتم. دونَ ملاحظاته، التي كانت أهمها أن صديقه لم يظهر عليه أي علامات قلق أو حزن في اليوم الذي وقعت فيه الحادثة، بل كان سعيدًا كأي يوم عادي.

ثم تابع المحامي بحثه وجمع المعلومات من هنا وهناك، دون أن يعرف إذا كانت ستفيد في التحقيق أم لا. لكنه كان مستعدًا لفعل أي شيء من أجل إنقاذ صديقه، الذي كان بمثابة الأخ له.

وصل يوم الجلسة، فارتدى أفضل بدلة لديه، وقص شعره وذقنه التي كبرت لفترة طويلة، ثم توجه إلى المحكمة. دخل قاعة المحكمة، حيث كان محامٍ آخر يقف على المنصة ويترافع، وسط جمهور لا يعرفهم. عندما رآه القاضي، وجه له سؤالًا حادًا:

"من أنت يا هذا؟"

قال المحامي:

"أنا المحامي ...، وجئت لأترافع عن صديقي...."

حينما سمع القاضي اسمه، رفع نظارته من على عينيه، ونظر إليه بحزن عميق وقال:

"يا بني، كلانا يعلم أن هذه القضية كانت كبيرة بالنسبة لك، لأنك كنت على علاقة بالمتهم، لكن يجب أن تعلم أن موكلك قد تلقى حُكمًا بالإعدام، وقد تم تنفيذ الحكم منذ ستة أشهر. وهذه هي المرة الثانية التي تأتينا فيها، ونخبرك بهذا!"

قم بإضافة تقييم

التعليقات